انه يوم تاريخي بكل المقاييس يشهد عليه القرن الحادي والعشرون-شهر ابريل من عام 2002، يوم التاريخ يعود فيه مرة آخري منذ عصر الاسكندر الأكبر والبطالمة-أنت تجلس اليوم داخل المكتبة في نفس المكان الذي شهد تاريخ العظماء الذين أسسوا هذه المدينة الهادئة-ملتقي الحضارات-عاصمة مصر الثقافية-وعاصمة الحضارة العالمية في القرون القديمة أسسها ومشي بين طرقاتها علماء الكيمياء والفيزياء والفلسفة والرياضيات والطب ... اليوم وأنت تجلس بين جدران مكتبة الاسكندرية ... تذكر هذه المكتبة منذ عصر البطالمة وهي تضم الاف المخطوطات في مختلف العلوم والآداب والفنون والتاريخ والديانات السماوية أيضآ-تذكر وأنت تجلس اليوم بين جدران المكتبة الحديثة المزودة بكل لغات الاتصال العالمية-ان هذه المكتبة كانت في الماضي السحيق يحج اليها الآلآف من العلماء والمثقفين سنويآ للاطلاع علي كتبها وأبحاثها والتي وصلت الي 700 ألف مجلد ومخطوط نادر.
ومع افتتاح المكتبة اليوم في شهر ابريل من عام 2002 وبخضور هذه الكوكبة العظيمة من الرؤساء ورؤساء الحكومات والقيادات وأصحاب الفكر والثقافة والعلم والشخصيات العامة العالمية والمحلية-تعود للاسكندرية ريادتها الثقافية من جديد وتتبوأ مركزها الحقيقي كعاصمة للثقافة العربية والعالمية علي حد سواء- وتعود للمدينة بهجتها وثقتها بنفسها وعظمتها وموقعها كأحد المدن العالمية في الجذب السياحي الثقافي بحضارتها اليونانية والرومانية والمسيحية والاسلامية العربية والمصرية الحديثة أيضآ...لتنتعش المدينة بعد أن ظلت في سبات عميق لفترة طويلة حتي عاد من أزاح التراب عن وجهها التاريخي الحقيقي-وعادت مكتبتها لتنير الاسكندرية شمس الحضارة من جديد.
ونود أن نشير مع هذا اليوم العظيم الي الحقيقة التي أكدها المؤرخون الأجانب وكذبوا ما ذكره أحد الكتاب الايطاليين ويدعي لوسيانو كامفورا في كتابه الشهير(القصة الحقيقية لمكتبة الاسكندرية) والذي اتهم فيه عمروبن العاص بحرق مكتبة الاسكندرية وهو ما أشارت اليه الأستاذه فاطمة عبدالله محمود في مقال قيم لها بجريدة الأخبار القاهرية تحت عنوان( الموسومون علي أعناقهم لا يشيدون حضارات) بصفحة الرأي للشعب بتاريخ 14 مارس من عام 2002.
فقد أشار الكاتب لوسيانو كامفورا أن الاسكندرية كانت ملتقي الحضارات عالميآ بكل معني الكلمة وأن البطالمة أسسوا بها مكتبة كبري- وقال المؤلف أن بعض المؤرخين اليهود أو المناصرين لهم ادعوا أن عمروبن العاص-وهو الفاتح والبطل الاسلامي الكبير-هو الذي أحرق مكتبة الاسكندرية ودمر كل ما تتضمنه من كتب نفيسة نادرة رغم أن عمروبن العاص كان يتميز بثقافة رفيعة المستوي ويميل الي النقاش الهادءي الموضوعي مع الأدباء ورجال الدين من جميع الأديان السماوية بل انه عند دخوله الاسكندرية أمر جنوده بعدم سلب أو نهب هذه المدينة أو تدميرها... والطريف ما ذكره لوسيانو أن عمروبن العاص قد أمر باحراق المكتبة وكتبها لتسخين مياه الحمامات العامة بالاسكندرية !! وهو تبرير غير منطقي بالمرة.
ثم جاء عدد من المؤرخين والمثقفين ليكذبوا ما ذكره لوسيانو ويؤكدوا أن عمروبن العاص لم يقترف أبدآ هذا العمل المفجع-ويقول المؤرخ الشهير ادوار جيبون-معارضنا-لهذا الافتراء الكاذب (انه ادعاء مثير للاستنكار والعجب ويفتقر تمامآ الي الحقيقة)...وقد استمد ادوارجيبون مصادره من كتاب (دليل تاريخ العرب) بقلم أبو الغرابي بالقرن الثالث عشر... ويقول جيبون معلقآ علي الادعاءات الكاذبه- ان هذه الادعاءات تتعارض مع ابسط التعاليم القومية التي تتصف بها المبادءي الاسلامية والعربية والتي تعلن بصراحة وبشكل قاطع انه لا يجوز مطلقآ حرق الكتب الدينية الخاصة باليهود والمسيحين ...وكذلك أن المسلمين لا يقومون أبدآ باحراق كتب اليهود والمسيحين بأمر الدين وهو ما ذكر في كتاب (القانون العسكري لاتباع محمد) تأليف ادريان دليلان وصدر في القرن السابع عشر. وكذلك لم يقم العرب بتحطيم التماثيل الفرعونية رغم انها اصنام لاحترامهم للثقافة والتاريخ والحضارة الانسانية.
وظلت آثار مصر الفرعونية واليونلنية والرومانية والقبطية شاهدة علي حضارة واحترام العرب والمسلمين للتاريخ والحضارة الانسانية في مصر القديمة.
وأهم ما اثبته هؤلاء المؤرخون المدافعون عن الحق هو الاثباتات بالتواريخ الفعليه أن مكتبة الاسكندرية عند دخول عمروبن العاص مصر فاتحآ منتصرآ عام 642 بعد الميلاد كانت المكتبة قد أحرقت وانتهي امرها منذ زمن القيصر ديكتاتور روما الشهير والذي اتي علي كل هذه الاعداد الهائلة من الكتب الثمينة النادرة قبل 700 عام من دخول عمروبن العاص-فكيف بعد ذلك يتهمون العرب بحرق المكتبة؟! ويبقي السؤال تائهآ من حرق مكتبة الاسكندرية ؟ وتظل الاجابات كثيرة وان كان أشهرها أن المكتبة قد احترقت بفعل اعمال التدمير والتخريب التي قام بها قيصر ديكتاتور روما خلال ثورة المصريين ضده (بوجه خاص) ومنذ السيطرة الرومانية بوجه عام وهي قصة تطول ولا مجال ذكرها في هذا المكان... وان كانت الاجابة الحقيقية تظل تائهة غامضة مثل غموض شخص الاسكندر الاكبر الذي حتي الآن لم يعرف العالم اين مقبرته...وان كانت الكتابات التاريخية تؤكد انه دفن في نفس المدينة التي أسسها وعشقها ورسم خريطتها بكميات من الدقيق الطازج لابعاد الروح الشريرة والقوي المعادية عنها ولكي يحدد خطوط الميادين والشوارع بها !!.
مبروك للاسكندرية... ومصر الحبيبة ... والعالم مكتبته العائدة الي التنوير ونشر الثقافة والعلوم في زمن العولمة والجات والاغراق الاقتصادي!